روح .. مدونة مصرية ح تصدر قريِّب. اللغة الرئيسية بتاعتها هي "اللمح"يعني اللغة المصري الحديثة.."قول الحق و اتبع الحق، ع شان مافي ش فيه أقوى م الحق، إجبن الحق هو اللي بيجلب للحقاني التوقير"(الفلاح الفصيح.العصر الإهناسي. من عصور مصر (القديمة.

السبت، ١١ أبريل ٢٠٠٩

أصول

أصــــول

بياض نهار يادوب، موش اكتر، هو اللي فرَق ما بين الصوات اللي طلع شرَّح قلوبنا، و الزغاريط اللي انطلقت تشْرح سدورنا. لحظة الصوات ما قاد جوَّانا راكية نار، طلعنا جري كلنا تم ن باتجاه الصوت. فكلنا كنا في الزمن اللي فات دا، قلب واحد بيفرََّق نبضه ع الأوردة في آلاف الأبدان في بلدنا "سرس الليان". سلِّمنا رجلينا للريح، اللي لافع حبل و اللي واخد جردل، و اللي متلايم على سكِّينة، و اللي طالع محدوف تقول رْمح بحماسه. ففيه كارثة حصلت، بس هي إيه؟ ما نعرف ش. يا ترى حريقة قادت؟ و لاَّ جاموسة وقعت في البير؟ و لاَّ جمل برك يطلب الحلال؟
كنا في عز شهر طوبة اللي خلَّي الصبية كركوبة. و الليل كُحل. أول ما طلعنا جري ما كناش شايفين كفوف إيدينا. شويَّ و اتعوِّنا: كل شيئ الانسان يقدر يتعوِّد عليه مهما كان. و لما اتعوِّدنا شوفنا بس طشاش. ح نعمل إيه لأواخر شهر القمر. أما الناس فكانو زي ما تقول الأرض اتفجَّرت و السما مطَّرت بشر كتير عن ورق الشجر: رجالة و عيال ستات و بنات. و اطلع يا صوات لرب الكون و وسط الصوات جانا صوت "ليثي" بيزعق:
ـ روحو لي جاااي!
و بين الزغاريط تاني يوم طلع لرب السما صوت "ليثي"، اللي كلنا تم ن في "سرس الليان" نقدر نميِّزه وسط ألف صوت، و هو بيهتف:
ـ تحيا الجدعنة و يعيش "شيخ المنسر" المرجلة!
فـ "ليثي" هو أول المعازيم اللي دايم ن يحضَّر نفسه، منه لوحده سيان في فرحنا و لاَّ عزانا.

نطيت زي ما اكون قُط و اتشعبطت زي ما اكون من نسل نمس. و من موقعي على قمة شجرة النبق بتاع سيدي "حبَّاس"، أعلى شجرة في الحتة بانت لي اللنض السهاري عايمة على وش بحيرة مهولة بوسع حدود الشوف داير ما يدور. و وي العلاوي و الوطاوي، القُني و البتون اللي أمهاتنا و اخواتنا البنات بيعدُّوها و هم بيجرو بالمشوار، اللنض اللي واقفة موزونة على روسهم اشتركت في رقصة ما تقدرش تقول عليها غير رقصة غجري من قوتها و سرعتها و عنفوانها تحت جنزار الشبورة اللي واكل طراطيف الملامح في الوشوش. بس كل النور كان متجه يم البؤرة اللي الصوات اتفجَّر منها أوِّل ما اتفجر. و لما المشية كانت اخت البصمة. و زي ما لكل صباع بصمة تميِّزه دون ن عن أي صباع تاني في الدنيا، كذالك الأمر وي المشية. و بطبيعة الحال الرقصة مشية. و رقصة اللنض فوق الروس كان لها تميُّز و تفرُّد. صحيح الرقصة واحدة في وسع الدايرة المفروشة زي حصيرة وسع المدى. بس لكل لنضة نقلة و لكل خطوة ومضة و لكل هالة ضي طلْعة و نزْلة مخصوص.

البؤرة كانت مربط الحاج "عبد المولى". و كان مافي هوش و لا بهيمة: لا جاموسة و لا بقرة و لا حمار و لا حتى نعجة. إيه؟ الحاج "عبد المولى" حويط : وي دوغيشة المغارب دايم ن يبيِّت "مال" ـه ـ و المال هو الاسم اللي بنطلقه احنا الفلاحين في المنطقة ع البهايم سيان كانت حلابة و لا حرَّاتة ـ جوا الدار. فشيوخ "المنسر" هم سادة الليل. أمال الصوات دا كله ليه؟ و بتاع إيه؟

"الست" ـ و دا اسم موش لقب ـ كانت كسِّلت الليلة تروَّح العجلة البقر اللي عمالة ترندج فيها بقا لها فوق عن سنتين، سنة أطول من اختها: تقشش لها شوية حت درة من غيط علان و تورَّق لها شوية ورق من غيط فلان. تسيبها تدرَّج على رِيَش(جمع ريشة) القني.

"الليثي"، ضمير بلدنا "سرس الليان، و قاضيها و مُشرعها و حاكمها الفعلي، الأرض انشقت و حدفته. بصينا لقيناه واقف سكت ن بُكم ن. بس عمَّال يرشق منخيره هنا و يرجع يرشقها هناك، زي ما يكون بيطقَّس و يستقصى و يجمع في معلومات و مُعطيات.. شوي و قام عينيه يم السما زي ما يكون بيستلهم منها وحي. شال إيده اليمين خرط الهوا قام منه. قال باستغراب:
ـ "الست" الهجَّالة(=الأرملة) اللي بتجري على يُتما!!!
و زاح كتلة الهوا بضهر إيده من قدامه و حكم:
ـ غلطانين!
شويَّ و زر جفونه و رمى سدغه اليمين على كتفه و همس لنفسه:
ـ بس يا هل ترى كانو عارفين البقيرة الزغنتوتة اللي خدوها دي من مربط "الحاج "عبد المولى"، بتاع مين؟!؟
الصوات كان جمَّعنا. غيرشي الزغاريط، اللي لعلعت من نفس البؤرة اللي حدفت علينا الصوات ليلة امبارح، رقَّدت قلوبنا في سدورنا و خدَّرت رجولنا: فأكيد أكيد البقيرة الزغنطوطة بتاع "الست" رجعو ربطوها مطرح ما حلُّوها في المربط هو هواه على نفس المدود ذات نفسه. فالأصول أصول!